أخر الأخبار

محمد بدوي مناع... فقد جلل !! / حسن وراق

For your copy-and-pasting pleasure.

@ عاشت مدينة الحصاحيصا مساء يوم امس الاول ليلة مظلمة بالحزن المعطون في دموع الاسي ولوعة الفراق و هي تشيع خمسة جثامين من موتاها راحوا في حادث مرور مأساوي علي شارع الموت قرب قرية ابي فروع في ذات المنحني الذي حصد عشرات الارواح . المشهد مهيب في تلك الامسية يا إلهي الكل اهل العزاء والجميع يحضن بعضهم بعضا ، يبكون في لوعة يعتصرهم الالم و كثيرون لا يصدقون فداحة الفقد و فراق احبتهم ، حالة من الذهول تجمد فيها العقل واصبح استيعاب ما يحدث ضرب من الخيال لا يصدق ،رغم اننا مؤمنون بقضاء الله و قدره الا ان في تلك اللحظة غاب العقل تماما لأن حمام الموت نقاد، انشب أظفاره بإختيار الانقياء الذين تقدمهم عمدة مدينة الحصاحيصا بلا منازع او كما يطلق عليه الجنرال محمد بدوي عمر مناع الذي اصطحب معه حتي في رحلته الاخيرة بعضا من اعز جيرانه لهم جميعا الرحمة و المغفرة .
@ يحق للحصاحيصا و اهلها و جيرانها ان يقيموا سرادقات العزاء داخل قلوبهم المنفطرة بالحزن قبل نصبها في الشوارع و الساحات ويحق للحصاحيصا بهذا الفقد الاليم ان تعلن انطفاء احد قناديلها التي اضاءت عتمة دروبها سراجا وهاجا اضاء للجميع ما اظلم من سبل ، حلحل ما استشكل من تعقيدات و مشاكل بخفة روح و طلاوة حديث و دعابة تميزه وحده عن جميع خلق الله ،الجنرال محمد بدوي عمر مناع النجم الذي فقدته الحصاحيصا في ليلة اظلمت حزنا عليه و هي في امس الحوجة له لأن امثاله قل أن يجود الزمان بامثالهم بعد ذلك ، لأن الجنرال الراحل محمد بدوي من اندر و اروع و انقي و اطهر ابناء الحصاحيصا يصبح فقده عزيزا و غاليا ،لا يصدق و كما ما قال شاعرنا ازهري محمد علي ، أن جسد الفجيعة اوسع من جلباب القصيدة فإن فجيعة الحصاحيصا بفقد ابنها الجنرال محمد بدوي لا تدانيها فجيعة ولا يستوعبها عقل .
@ تتواري الكلمات حزنا علي فقيد الحصاحيصا و تعلن الجمل المفيدة الحداد و تتوشح القصائد بالسواد تأبي طبلة الاذن الاهتزاز لسماع الاصوات بعد ان ثقبها الخبر الاليم ، ما فائدة حاسة السمع عندما يغيب صوت الجنرال محمد بدوي بحديثه العذب الشجي ذو الشجون وستفارق اسماعنا عباراته الانيقة الرشيقة و بديهيته الحاضرة و سربعته الذكية . الفقيد كان صاحب أذن تجيد الاستماع و تختار ما يغري الاسماع ، كل احاسيسه و حواسه متشربة بالانسانية السودانوية العتيقة المتأصلة في ذواتنا فهو مدرسة ثقافية تمازج بين الاطلاع و المشافهة في مثاقفته وفي كل حركته وسكونه كان صابرا و شجاعا ، هزم الاعاقة بالسخرية وهزم المرض بالصبر و القوة ليجدد فينا تحمل الحياة مهما صعبت وقست ، كان يملك مفاتيح لفك شفرة الحياة و قساوتها ، لم يركع و لم يضعف و لم يهن، قويا صارع الموت حتي غدره في ذلك الحادث الاليم وهو عائد سعيدا بعد ان اكمل إجراآت العمرة نسال الله ان يتقبلها منه لصدق نواياه .
@ فقد الجنرال محمد بدوي هو فقد امة لأنه معلم بحق و حقيقة كانت داره قبلة لكل اهل الحصاحيصا يقضي للجميع حوائجهم بمنتهي اللطف و الاريحية و الرضاء وهو اكثر حوجة لان تقضي حوائجة فكان قوله دائما (الله كريم) ،تلك المقولة التي ارتبطت به تمثل فلسفة حياة بسبطة ادركناها مؤخرا . لم يستسلم للمرض المتراكم عليه، تمسك اكثر بالحياة لأنها توهب مرة واحدة فكرسها لخدمة الانسانية و النضال من اجل تحريرها من اسر الظلم و الاستغلال و الاضطهاد فكان نقابيا انحاز لطبقته العاملة في قطاع النسيج ولم يغتني و لم يثري علي حساب زملائه العمال ولم يتاجر بتاريخه النضالي المشرف و لم يخن العهد الذي بينهم رغم الاغراءات و المحاولات المستميتة ولكنه استعصم وابي فزاده ذلك احتراما و تقديرا وحب الجميع .
@ الحصاحيصا المدينة التي فقدت الكثير من منشأتها و اهلها و مواطنيها و برامجها و جانب كبير من ما يميزها رغم ذلك ما تزال اعز مكان تشدك اليها حنين و حب عميق جارف و تاريخ اصبح مصدر فخر و اهم من كل ذلك حياة اجتماعية فريدة قوامها افراد كالاهرامات وشامة خد بدأوا في الرحيل واحدا تلو واحد ومن تبقي منهم اصبح عملة نادرة و بؤرة ضوء منير في غيهب جب مظلم ، الجنرال محمد بدوي كان احد الاهرامات الركينة في مجتمعات الحصاحيصا يكفي صالونه العامر دوما و داره المرحابة ملتقي اهل الرأي و الفكر و المشاريع الطموحة و الانجازات العامة ، بذل الجنرال كل ما في قدرته و طاقته لمساعدة الجميع وحلحل الكثير من المشاكل بتوفيق من الله و بحكمته و حسن تقديره للامور ، ذهب و حمل معه الكثير من الاسرار التي صانها حفطا ليغادر الحصاحيصا كآخر الرجال المحترمين ، ترك الحصاحيصا في حلك الظلمات حزنا بفقده الاليم نسال الله له الرحمة و الثبات و القبول و ان يتبوأ مقعده بين الصديقين و الانبياء و المرسلين في عالي الجنان يا حنان ويا منان و نسال الله ان يلهمنا و آله و احبابه و اصدقاءه الصبر و حسن العزاء .


hasanwaraga@hotmail.com
siege auto

ليست هناك تعليقات