قال (الشيخ دفع الله): من هذا؟
الحضور، مريدين، فقرا... الخ ..................... قالوا: احمد بن الطريفي
فخرج نور من فم الشيخ إلى عرش المسجد، فوقع فوق احمد، فوقع مغشيا عليه،
فرقد أياما.
أعلاه عبارة عن "خطاب سردي" قدّم بواسطته ود ضيف الله قصة (جرت في ساعات أو أيام) وصلت إليه شفوياً ربما عبر سلسلة من الرواة. و هو بدوره يقدمها مكتوبة لنا كقراء ومتلقيين . يجب التنبيه الى أنّ هذا الخطاب السردي، رغم وجود الحدث الخارق، خطاب غير مفارق للواقع والثقافة بأي حال من الأحوال، لأنّه منتج في إطار لغوي وسياق اجتماعي وتاريخي. كما أنّه المظهر الوحيد المتوفر الذي يمكن أن نخضعه للتحليل من حيث اللغة والشكل ، لنكتشف الطرق والأساليب ، التي استخدمها "ود ضيف الله" ،كراوٍ ، ليعرِّفنا بواسطة هذه " الطرق و الأساليب" على أحداث تلك الكرامة.
إذن، اقتراح أي منهج لتحليل نصوص الأولياء والصالحين في الطبقات، لابد وأن يكون للكرامة، الدور الحاسم في اختياره لأنها العنصر المشترك السائد في حكايات هذا الكتاب.
ونعني بهذا المنهج، الفكرة التي اخترعها الروسي (فلاديمير بروب)6، في كتابه
"مورفولوجيا القصة" ، الذي جمع فيه عدد من القصص الخرافية ، وقام بدراستها بحثاً عن العناصر المشتركة المكونة لها وسماها الوظائف. وهذه الوظائف والعلاقات التي تربط بينها تمثل بنية الحكاية الشعبية ، أياً كان الواقع والمكان الذي أنتجها أو السياق الذي أثر فيها.
يقسم العناصر المكونة للحكاية الشعبية إلى7 :
(أ) الشخصيات: وعددها سبعة وهي المعتدي / المانح/ المساعد/ الأميرة / الآمر/ البطل/ البطل المزيف
(ب) الوظائف: وهي 31 وظيفة وأراد بالوظيفة " ما تقوم به الشخصية من فعلٍ محددٍ "
وتحليل بنية الحكاية الشعبية يتم بدراسة هذه الوظائف ، باعتبارها " الأجزاء الأساسية في القصة"
و الوظيفة تتحدد بالفعل الذي تؤديه8 " تسمية الوظيفة باسم يعبر عن الفعل ك(الحظر) و (الاستجواب) و ( الهروب).
ومن ثمّ يستنتج "فلاديمير بروب" أن شخصيات القصص على اختلافها و تنوعها ، غالباً تؤدي نفس الفعل8 . لذلك فهذا الفعل الذي تقوم به الشخصيات، هو الذي يجب أن يكون محور الدراسة و التحليل لمعرفة ما تؤديه الشخصيات "فأما من يقوم بالشيء وكيف يقوم به، فإنها أسئلة لا تطرح إلا بشكل ثانوي"9
و العلاقة بين هذين العنصرين، (الوظائف والشخصيات)، علاقة ثابت ومتغير فقد لاحظ أنّ الوظائف دائماً تتسم بالثبات، بينما الشخصيات متغيرة10. فمثلاً المعتدي في حكاية ما، يمكن أن يكون الغول بينما في حكاية أخرى يمكن أن يكون الملك والسلطان أو الساحر.
الكرامة، بهيئتها الوظيفية، وفعلها السردي، قد تنبئ بوجود وظائف أخرى، في بنية هذه النصوص، يمكن تحليلها وفق منهج تحديد (الوظائف) السردية. بالإضافة أعمال الفرنسي "جيرار جنيت") ، خاصةً " خطاب الحكاية" الذي سيكون حاضرةً أيضاً.
(3)
الطبقات ....... الشكل والمضمون
يقول ود ضيف الله في المقدمة:
"اقتديت بجماعة من المحدثين والفقهاء والمؤرخين، فإنهم ألفوا في التاريخ والمناقب"11
ويذكر هؤلاء بالأسماء، كابن حجر العسقلاني في كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، وهو توثيق لسيِّر الأعيان والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء. على هذا النهج ، سار ود ضيف الله فاتبع الترتيب الأبجدي في تبويب السير ، و واسترشد بطريقة الأسلوب و المضمون.
واحد من الكتب، التي ذكرها ود ضيف الله، "الدرر الكامنة"،12 وهو كتاب جمع فيه ابن حجر العسقلاني تراجم وأخبار، بالطريقة التقليدية المعروفة، تبدأ بالاسم ومكان الميلاد والمناصب التي شغلها الشخص، وتنتهي بمكان وتأريخ الوفاة.
وهذا هو حال كل كتب المناقب و الأخبار ، في وقتها ، تتضمن السيرة الذاتية، والإنجازات المهمة ، حسب دور ومجال الشخص المعني بالتوثيق.
معظم مؤلفات التراث الإسلامي، عرفت هذا الشكل في طريقة ابتدار وصياغة المقدمة. على سبيل المثال، نذكر رسائل أخوان الصفاء، بمقدمتها المشهورة.
فمثل هذه الكتب، تعكس الخلفية التاريخية، التي اتكأ عليها، صاحب الطبقات. فكتب المناقب ، بشكل عام ، لم تأت بجديد في هذا الموضوع ، لأنها ورثت فن كتابة المقدمة ، من تأريخ أسبق . أما بالنسبة لود ضيف الله، فقد ذكر في مقدمته، أنّه اقتدى، واتبع هذا المنهج، في طريقة التقديم، من ناحية استخدام اللغة الفصحى، وإظهار المعرفة بعلوم الفقه والحديث، وطريقة العرض. ولا خلاف ، فالمقدمة ، كتبت بلغة رفيعة، تشبه ،شكلاً و مضموناً ما كان سائد في كتب التراث.
ابن حجر العسقلاني ،مثلاً، في مقدمته للدرر الكامنة، يبدأ كالمعتاد ، الثناء و الشكر لله و الصلاة على النبي، ثم يختمها بنص انتقالي قائلا "وبالله الكريم عوني، واياه أسال ، عن الخطأ صوني،إنَّه قريب مجيب".
أما ود ضيف الله، وبعد الثناء على الله و نعمه و الصلاة على نبيِّه ، يعلن النيِّة و القصديِّة ، في جمعه و تأليفه للطبقات ، يقول:
"لما انتهى الكلام على ما اختصرته من مدح الله تعالى لأنبيائه ورسله وملائكته عليهم السلام، وكان قصدي من ذلك التوسل إلى الله بجنابهم الرفيع، وأن ييسر لي ببركتهم ما قصدته، وما ألفته، أن يفتح لي بجاههم فتح العارفين ويوضح لي ما خفي وأشكل علي فإنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، هو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".13
ود ضيف الله" يسعى للتوسل بهؤلاء جميعاً، ويسأل البركة، ونيل فتح العارفين ، للتزوّد ، لمهمة جليلة، لمناقب الأولياء وكرامات العارفين. فهذا الجزء ، في الاقتباس أعلاه، بمثابة مفترق طرق، بينه وبين هؤلاء، الذين ذكرهم بالأسماء.
فهو، لم يحبس نفسه في التقليد، رغم احتفاظه بشكل المقدمة الموروث. ففي متن الكتاب، نجد أنّ ود ضيف الله قد خرج عن ذلك القالب، وكسر الشكل التقليدي، في تراجمه وسيره بإضافته عنصر السرد، وفي مَسْرَحة مشاهد الحوار، بشخصيات وأحداث، تتبادل الأدوار وتتفاوض بلغة عامية، لغة الحياة اليومية. إذن، الطبقات ، "مرق" بقالب جديد لكتابة المناقب ، شكلاً و مضموناً . العامية أعطت النص الهوية الذاتية، والخوارق أضافت " الغريب" الغير معتاد. فنصوص الطبقات، ادهاشها ، في مفارقتها ،للأطر المرجعية السائدة.
ليست هناك تعليقات