أخر الأخبار

تسعة يوليو ... لم يصغر الوطن ولكن كبرت الزنزانة

For your copy-and-pasting pleasure.

في مثل هذا اليوم وقبل ست سنوات كان رئيس النظام المشير البشير يستلم راية السودان الكبير في جوبا. حيث لم يعد ومنذ ساعتها الجنوب جزء من ارض المليون ميل مربع كانت دموع الياور تملأ الشاشات التي تنقل الحدث. 


الدموع السودانية ليلة الانشطار بدت وكأنها تضيع في (الدماء) المنفجرة من عنق الثور الأسود الذي ذبحه خال الرئيس ورائد العنصرية الطيب مصطفي وهو يحتفي بما اسماه نهاية حقبة وحدة الدماء والدموع. يقول ساعتها الخال الرئاسي بان البلاد اخيراً تخلصت من العبء الذي يمنعها تحقيق تطلعات شعبها وان ابشروا بوطن سعيد. 
أي عبء يحمله هذا الوطن علي ظهره أكثر من الإنقاذ؟ التأكيد علي هذا الأمر لا تنفي ضرورة الإجابة علn سؤال من الذي تسبب في تصبح وصية الأجداد بالحفاظ علي التراب بلا قيمة؟، وكيف تحوّلت الجغرافيا الي تاريخ بين ليلة وضحاها؟ لدرجة ان صحفيون سودانيين كانوا يغطون منشط اللحظات الأخيرة في السودان الموحد كتبوا صبيحة العاشر من يوليو (أصبحنا أجانب) في أرضاً كانت حتى الأمس أرضاً لنا!!. 
تجيب تداعيات ما جرى في السودان على أن ثمة عبئاً أكبر ثقلاً من الإنقاذ، يجيب عليه وزير الخارجية الروسي السابق سيرجي لافروف والذي كشف في مؤتمر صحفي مع نظيره الامريكي عن مسؤولية البشير عن انفصال جنوب السودان دفعاً لفاتورة خلاصه من المحكمة الجنائية الدولية وسيفها المسلط على رقبته. وكشف عن طلب أمريكي من ادارة اوباما من روسيا ان تحصل لهم على موافقة رئيس النظام على تقسيم السودان باعتباره مشروع امريكي مقترح تم تنفيذه بتواطؤ من نظام الحكم في الخرطوم. 
في احد إفاداته حّمل القيادي في الحركة الشعبية وأحد المفكرين لمشروع السودان الجديد الدكتور منصور خالد المؤتمر الوطني نتيجة الانفصال، بفعل سياساته اثناء الفترة الانتقالية حين كان يمد لسان سخريته من النص الخاص بجاذبية الوحدة ، بالنسبة لمنصور خالد فان الجنوبيون وهم يمضون باتجاه صناديق الاستفتاء وجدوا انفسهم في طريق باتجاه الانفصال الواحد، ولم يكن هناك ما يغريهم للبقاء في دولة تتجاذبها خيوط الفشل. 
ست سنوات تمضى الآن على الحدث المختلف حول تسميته فالشماليون ينعتون نتيجة الاستفتاء التي تجاوزت ال98 % بانها أفضت لانفصال الجنوب عن السودان الواحد بينما يتم وصف ذات الحالة عند الجنوبيين باللحظة التي نالوا من خلالها (استقلالهم) و النتيجة الآن دولتان منقسمتان، وإشكاليات متمددة بتمدد النيل، من قالوا (باي باي الخرطوم) لم يستطِعوا مغادرتها دون ان يحملوا معهم في حقائبهم وصفة الفشل. باقان اموم الامين العام السابق للحركة الشعبية في قلب الخرطوم حين كان الوطن واحداً يصف السودان بالدولة الفاشلة، الوصف الذي احتفت به صحف الخرطوم سرعان ما انتقل الي صحف جوبا والموصوف ساعتئذٍ كان الدولة الوليدة في جنوب السودان . 
في شهادته للتاريخ يقول منصور خالد (انه كان بالإمكان تجاوز ما حدث) لكن صاحب قصة بلدين كان يرهن حدوث تغيير في النتيجة بوجود كاريزما الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور، غياب عرّاب مشروع السودان الجديد أفضى في اخر المطاف لان يصبح المشروع جنوبياً هواه وحتى هناك لم تهب على مواطني الدولة الجديد نسائم المساواة والحرية والديمقراطية، وبدلاً عن ذلك هبت عليهم ريح الحرب والمجاعة، بعد أن تفشت صراعات السودان القديم في بعدها القبلي، يضاف إلى ذلك المشكلات الاقتصادية التي تمسك بواقع الدولة في جنوب السودان. وهو ما دفع بالحكومة برئاسة سلفاكير ان تلغي احتفالات الاستقلال للعام الثاني توالياً . 
التاسع من يوليو حين أعلنت وزيرة الدولة بالإعلام في العام 2011 سناء حمد عن تدشين الخارطة الجديدة للبلاد الخارطة المنزوع عنها دسم التنوع في الجنوب، كان آخرين من إخوتها في التنظيم يوعدون الشعب بالرفاه الاقتصادي وبعدم تأثر الاقتصاد السوداني بالانفصال وبغيرها من الوعود في حين مضي منسوبي النظام في مؤسسات أخرى في سعي دؤوب من أجل محو الجنوب من الخارطة العاطفية أسوة بما فعلوه سياسياً حين تم إيصال خطابات للمؤسسات الإعلامية الرسمية تطالبهم بعدم بث اغنيات او أي أعمال يتم فيها ذكر الجنوب. ربما كان مشهد منزل الزعيم الأزهري وهو يتوشح بالسواد مشهداً باعث لمخاوف من باعوا الارض فان يتحرك شعبها من اجل ان يجعلهم دفع فاتورة ما اقترفت أياديهم. 
بعد ست سنوات في سودان بلا جنوبه يبدو السؤال الحاضر كيف يبدو حال الخرطوم؟ او بمعني أخر كيف يبدو حال من يديرون شان السودان المنشطر على نفسه؟ عقب انفصال جنوب السودان وجد راس النظام نفسه أمام ميكرفون الحديث في ولاية القضارف، وكعادته أمسك بدفة الحديث ليخبر السودانيين انه بذهاب الجنوب انتهي عهد (الدغمسة) وانه لا بديل الآن غير تطبيق الشريعة الإسلامية! وهو ما دفع البعض للتساؤل ان كانت الشريعة طوال العشرون عاماً لم تطبق فتحت أي بند خاض الشهداء معاركهم في طريقهم الي جنات الحور العين، وبأي ذنب فصل الجنوب نفسه؟ لم يكن غياب التنوع فيما تبقى من السودان حقيقة وإنما بعض أضغاث من أحلام الطبقة الحاكمة في وقت لم تنتهي فيه مظالم المجموعات الأخرى والدليل أن الجنوب الذي مضي إلى حال سبيله ترك خلفه جنوبيات أخرى وبحربها المستعرة في النيل الأزرق وجنوب كردفان. 
في ذاكرة الانشطار الوطني لا يبدو سؤال أكثر إلحاحاً من سؤال هل قبض البشير ثمن تضحيته بالأرض من الأمريكان؟ للأسف فان الإجابة تأتي بالنفي والرجل الان تتنازعه وسلطته أحلام رفع اسمه من قائمة المطالبة الدولية. قبل رفع اسم بلاده التي يحكمها من قائمة رعاية الإرهاب وإبعاد سيف العقوبات الأمريكية عنها ومن احتفل بالانفصال في التاسع من يوليو ينتظر أن يحتفل برفع العقوبات في الثاني عشر منه وهو الأمر المستبعد من قبل الكثيرين في ظل السياسات التي تتبعها حكومته الآن وان لسان حال قيادات الكونغرس يردد ذات العبارة التي قال بها أمين حسن عمر موجهاً حديثه لأهل الجنوب (حقنة ما ح نديكم ليها) . 
السودان يدخل عامه السابع بعد ان تحوّلت جغرافيته إلى تاريخ. يستعيد البعض ذكريات الوطن الواحد ودموعاً كان قد ذرفوها وهم يودعون جزء من مصيرهم المشترك، ومشاكل تراكمت بعد الانفصال بعضهم يحاول ان يلتزم بوصية القدال في قصيدته طواقي الخوف (أنا ما بجيب سيرة الجنوب) لكن السيرة تطاردهم في كافة الأمكنة يتراقص أمامهم الحزن في كل لحظة يظهر أمامهم رئيسهم الذي اقسم على عدم التفريط في التراب ولكنه فعل. ولم يترك لهم سوي تعظيم التماسك في الخطوب. وحتماً يغازلهم خوف تجدد المشهد في جغرافية أخري مما تبق من الوطن فمن يحكمهم لا يري عيباً في أن تتشظى البلاد طالما انه يحكم حتى وان بقي في الأرض مساحة بقدر جزيرة توتي.

الراكوبة
https://alragrag1.blogspot.com/

siege auto

ليست هناك تعليقات