ملف حقوق الإنسان في السودان: مصاعب عدة وتعقيدات شائكة!
For your copy-and-pasting pleasure.
الخرطوم ـ «القدس العربي»:
يواجه ملف الحريات في السودان صعوبات عديدة وانتهاكات متواصلة وتتعرض الحكومة بسببه لضغوط داخلية من منظمات المجتمع المدني وخارجية من المجتمع الدولي.
وتصاعدت الضغوط على الخرطوم في الفترة الأخيرة ووضعت أمريكا منذ عام 2015 السودان ضمن قائمة الدول التي تنتهك فيها الحريات بصورة ممنهجة.
وأبدت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي قلقها من الوضع في السودان، في ما يتعلق بالحريات ونشرت سفارتها في الخرطوم تقريرا جاء فيه: «لا تزال الولايات المتحدة قلقة جدا إزاء سجل السودان في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك استمرار إغلاق الفضاء السياسي، والقيود المفروضة على الحرية الدينية وحرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة».
انتهاكات
وأوضح البيان أن أمريكا رصدت انتهاكات متعددة في المجالات المذكورة وأضاف: «ذكرنا ذلك بالتفصيل في تقريرنا السنوي عن حقوق الإنسان، ونواصل الضغط على حكومة السودان لتحسين أدائها في هذه المجالات. وكما ذكرنا مراراً وتكراراً في واشنطن ونيويورك وجنيف والخرطوم، فإن حماية حقوق الإنسان متشابكة إلى حد كبير مع السلم والأمن».
وتكررت إثارة المخاوف من قبل الحكومة الأمريكية بشأن الناشطين المسجونين ومصادرات الصحف وهدم الكنائس والمساحة السياسية المقيدة والقيود المفروضة على الحرية الشخصية والدينية. وأبدت في أكثر من مرة تطلعها إلى إحراز تقدم ملموس في هذه المجالات من قبل الحكومة السودانية.
البيان الذي صدر في وقت يترقب فيه الجميع قرارات مهمة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص العقوبات المفروضة على السودان منذ عقدين، أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالشعب السوداني وباستمرار المشاركة السياسية مع حكومة السودان والمعارضة لتحقيق السلام وتعزيز حماية حقوق الإنسان في البلاد.
متابعة أوروبية للملف الشائك
ودخل الاتحاد الأوروبي بدوره على الخط، حاضاً الحكومة السودانية على بذل جهود واضحة في مجال حقوق الإنسان، وقالت المتحدثة باسم الممثلة الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد في وقت سابق إن الاتحاد يتابع عن كثب حالة حقوق الإنسان في السودان، حيث يشكل العفو الرئاسي الذي صدر عن اثنين من القساوسة خطوة مشجعة في ما يتعلق بالحرية الدينية في السودان.
لكن الاتحاد طالب باتخاذ إجراء أكبر من ذلك، وحدد صراحة أنه و»على الرغم من التقدم المحرز في الحوار الوطني، فإن مساحة المجتمع المدني تتضاءل في السودان،
ويتضح ذلك في تأخير تسجيل المنظمات غير الحكومية، وقضايا اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان واحتجازهم ومحاكمتهم».
وأشار إلى أن جان فيغل، المبعوث الخاص لحرية الدين والمعتقدات خارج الاتحاد الأوروبي، زار السودان في آذار/ مارس الماضي والتقى بالمدافع عن حقوق الإنسان الدكتور إبراهيم مضوي، وأكد أن طول فترة احتجازه والتأخيرات في الإجراءات القانونية السليمة، لا يزال مصدر قلق للاتحاد.
ملاحظات بالجملة لخبير الأمم المتحدة
ويقدم خبير الأمم المتحدة المستقل، والمعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، أريستيد نونونسي تقريراً مهماً أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته السادسة والثلاثين المقرر انعقادها في أيلول/سبتمبر2017.
وزار نونونسي السودان في منتصف شهر آيار/مايو الماضي وأعد تقريرا تضمن ملاحظات عديدة تشير إلى حالات واضحة في إنتهاك حقوق وحرية الإنسان السوداني.
وعبّر عن شعوره بالقلق حيال عدد من قضايا حقوق الإنسان في البلاد ومن ضمنها احتجاز الناشطين بسبب الأعمال المشروعة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في السودان.
قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني
وطالب نونونسي السلطات السودانية بالنظر في إجراء التعديلات اللازمة على قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006 لجعله يتماشى مع الدستور الوطني الانتقالي، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. مشيرا إلى العديد من الأحكام في هذا القانون والتي تؤثر سلباً على عمل منظمات المجتمع المدني، ومن بين هذه الأحكام: المواد من المادة 7 إلى المادة 14 التي يتضمنها هذا القانون. ودعا بالسماح للجهات الفاعلة في المجتمع المدني لأداء أنشطتهم في بيئة مفتوحة وآمنة وسليمة.
ضمان حماية حرية الأديان
وتطرق إلى حقوق الإنسان لضمان حماية حرية الأديان، وأضاف في تقريره: «أشير هنا إشارة خاصة إلى هدم الكنائس وأماكن العبادة بواسطة جهاز الأمن الوطني. وقد اسْتُغِلَّ جهاز الأمن الوطني أيضاً لترويع واحتجاز واعتقال قادة دينين مسيحيين. وقد أثَرْتُ هذه القضايا في نقاشاتي التي أجريتها مع المسؤولين الحكوميين باعتبارها مخاوف مشروعة يجب على حكومة السودان أن تنتبه لها، بالنظر إلى أهمية حرية الأديان في أيِّ مجتمع ديمقراطي».
تعديل قانون جهاز الأمن
ومن القضايا المهمة التي ناقشها نونونسي، تعديل بعض القوانين وعلى رأسها قانون جهاز الأمن، وعلّق في تقريره حول هذا الموضوع قائلا: «في لقائي مع لجنة التشريع في البرلمان السوداني، تلقيت تأكيدات على أنَّ عملية تعديل قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي ستكتمل بضمان امتثالها للمعايير الدولية. وأنا مع وجهة النظر القائلة بأنَّ جعل جهاز الأمن والمخابرات الوطني-بما يتماشى مع المعايير الدولية-هيئة حكومية تعمل كوكالة استخبارات تُرَكَّزُ على جمع المعلومات وتحليلها، وتقديم النصح للحكومة، سيساعد في تحسين بيئة حقوق الإنسان في السودان».
جدل في البرلمان
ودار جدل واسع في البرلمان السوداني في نيسان/ابريل الماضي حول تعديل بعض القوانين التي يرى كثيرون أنها تنتهك حقوقا أساسيا للمواطن السوداني، ورغم أن التعديلات نص عليها مؤتمر الحوار الوطني وأقرها، فقد كوّنت لجنة لدراستها ووضع تقرير في شأنها.
وأجاز مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى لتشكيل حكومة الوفاق الوطني تعديلات دستورية متعلقة بحرية الإعتقاد وفي مقدمها المادة 41 التي تنص على (تلتزم الدولة بكافة أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والمصدق عليها من قبل الدولة وفقاً للدستور) والمادة 26(حرية الرأي والفكر والإبداع والمعتقد مكفولة ومصانة وبما لا يتعارض مع الدستور). والمادة39 (تسري النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات على كافة القوانين المتعلقة بها وتلتزم بها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وكل أجهزة الدولة) والمادة 43 (تعتبر المواثيق والمعاهدات الدولية النافذة والموقع عليها من قبل الدولة إحدى الضمانات للحقوق والحريات).
خيبة أمل كبيرة
وأصيب الناشطون الحقوقيون بخيبة أمل كبيرة عندما أجاز البرلمان تقرير اللجنة البرلمانية الطارئة لتعديل الدستور التي تم تشكيلها برئاسة بدرية سليمان نائب رئيس البرلمان للنظر في تعديلات بخصوص جهاز الأمن وحرية الدين وزواج المرأة.
وأبقت التعديلات التي أقرتها اللجنة البرلمانية على صلاحيات جهاز الأمن على ما هي عليه مع إضفاء رقابة قانونية لحسم أي تجاوزات قد تصدر من أفراده، بل وحسب قانونيين-تم تحصينه وترفيعه في مجالات مكانها القضاء والقانون مثل جرائم الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات.
وأبقى البرلمان على صلاحيات جهاز الأمن على ما هي عليه مع إضفاء رقابة قانونية لحسم أي تجاوزات، ورفض التقرير تعديل المادة المتعلقة بحرية الدين ومادة أخرى ذات صلة بزواج التراضي.
مرجعية دينية
واعترض مجمع الفقه الإسلامي وأحزاب إسلامية أخرى على التعديلات التي تتعلق بحرية الإعتقاد وحرية المرأة في الزواج وحرية التعبير، وكانت هذه التعديلات قد أجيزت في مؤتمر الحوار الوطني الذي يعتبر أساسا للدستور المقبل.
ومما أثار حنق المدافعين عن الحريات، أن البرلمان استند على مرجعية دينية في رفضه للتعديلات الدستورية وأرسل مذكرة لمجمع الفقه الإسلامي يستفسره عن مدى مطابقة التعديلات للشريعة الإسلامية، وجاء رد المجمع أن «هذه التعديلات المقترحة مخالفة للشرع ولا يجوز إقرارها أو إجازتها».
الصحافة تعاني
وظل قمع الصحافة في السودان منهجا ثابتا، فقد صادر جهاز الأمن الشهر الماضي صحيفة «آخر لحظة» من المطبعة وذلك على مدى يومين على التوالي، وهي أول عملية مصادرة للصحف بعد تكوين الحكومة الجديدة في السودان، ويشتكي الصحافيون من إصدار أوامر شفاهية بمنعهم من الكتابة في موضوعات محددة آخرها موضوع مدير مكاتب رئيس الجمهورية الذي تمت إقالته لظروف وأسباب غامضة.
جدل الحريات الدينية
الحريات الدينية طالها الجدل في الفترة الماضية، حيث قامت الحكومة المحلية في الخرطوم بهدم عدة كنائس، وناهض ناشطون قراراً بإزالة سبع وعشرين كنيسة في ولاية الخرطوم، أزيلت بعضها، منها كنيسة في منطقة سوبا. وقالت السلطات المحلية أن الإزالة تجيء ضمن خطة إدارية وتشمل مدارس ومساجد.
المادة (126)
ودعا قانونيون وناشطون لإلغاء المادة 126 من القانون الجنائي السوداني والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام. وتنص المادة (126) من القانون الجنائي السوداني على: (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة. (2) من يرتكب جريمة الردة يمهل مدة تقررها المحكمة، فإذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام، يعاقب بالإعدام. (3) تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد عن الردة قبل التنفيذ.
وأكد تقرير للحكومة البريطانية صدر في منتصف العام الماضي، أن البيئة لعمل المجتمع المدني في السودان لا تزال صعبة، مضيفا أن حرية الدين أو المعتقد لا تزال مصدر قلق بالنسبة لبريطانيا. لافتا إلى أن السودان يعد ضمن ثمان دول يصعب تعايش المسيحيين فيها.
وحسب تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية، الصادر في الثلاثين من نيسان/ابريل 2015 جاء السودان في قائمة أسوأ الدولة التي تنتهك الحريات الدينية في العالم.
الدستور ينص على حرية الأديان
ويرى المحامي والناشط الحقوقي أنور سليمان، أن دستور السودان الإنتقالي ينص على حرية الأديان، إذ يؤكد في المادة 38 حول حرية العقيدة والعبادة (لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، وله الحق في إعلان دينه أو عقيدته أو التعبير عنها عن طريق العبادة والتعليم والممارسة أو أداء الشعائر أو الاحتفالات، وذلك وفقًا لما يتطلبه القانون والنظام العام، ولا يُكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به أو ممارسة طقوس أو شعائر لا يقبل بها طواعية).
ويضيف أن السودان صادق على العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية في 1986. «وهذا العهد ملزم قانونياً ويراقبه مجلس حقوق الإنسان». ويشير إلى أن السودان عضو في الأمم المتحدة، «وهي منظمة أقرت أهمية حرية الدين أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948».
ويقول: «إضافة إلى ذلك تنص المادة 27 (3) من دستور السودان صراحة على أن كل الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها السودان هي جزء لا يتجزأ من الدستور. وفي 2007 بدا أن السودان، بتأسيسه مفوضية حقوق غير المسلمين، يتقدم خطوة في إتجاه الإلتزام بواجباته في الحفاظ على الحرية الدينية، لكن المفوضية حُلّت في 2011 ولم تحل محلها أي آلية أخرى».
حرية عمل الأحزاب السياسية
وتطالب الأحزاب السياسية بحقها المنصوص عليه في الدستور بالعمل بحرية. واعتقل جهاز الأمن السوداني قبيل عطلة عيد الفطر تسعة قياديين في حزب المؤتمر السوداني أثناء ندوة للحزب في أمدرمان للتوعية بأخطار مرض الكوليرا واطلق سراحهم في اليوم التالي. وقال الحزب أن جهاز الأمن هدد أعضاءه بمزيد من الإجراءات التعسفية حال معاودة العمل في حملة مناهضة الكوليرا.
لكن رئيس الحزب، عمر الدقير أكد أنهم سيواصلون حملة مكافحة وباء الكوليرا، مضيفا أن الحزب سيبقى بين الناس ومعهم في كلِّ قضاياهم ولن تثنيه الاعتقالات عن التمسك بحقه في التعبير عن رؤاه حول الواقع المأزوم وواجبه الوطني في المقاومة السلمية لكل سياسات النظام الخاطئة والمساهمة الفاعلة في التغيير والعبور إلى وطن الحرية والحياة الكريمة.
وفي واقعة فريدة، حرّك حزب التحرير في السودان، إجراءات مقاضاة، ضد جهاز الأمن والمخابرات الوطني (مدعى عليه أول) وشرطة ولاية الخرطوم (مدعى عليه ثانٍ) وذلك لمنع الحزب من إقامة احتفال فني.
وقال إبراهيم عثمان (أبو خليل) الناطق الرسمي لحزب التحرير إن محامي حزبه الموكل في القضية شرع في مخاطبة وزير العدل لفتح دعوى مدنية في مواجهة المدعى عليهما (جهاز الأمن والشرطة) موضحا إنهما قاما بمنع الحزب من إقامة مهرجان خطابي في ميدان الرابطة في شمبات، مدينة الخرطوم بحري، بالرغم من وجود التصديق من الجهات المختصة «مما سبب للحزب خسارة مادية، وضرراً معنوياً، يتمثل في كبت حريته وزعزعة مركزه السياسي».
https://alragrag1.blogspot.com/
https://alragrag1.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات