أخر الأخبار

مبارك الفاضل والترابي والتطبيع مع «إسرائيل»!/ كمال الجزولي

For your copy-and-pasting pleasure.
ربَّما لو لم يكن مبارك الفاضل هو نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار في السُّودان، لما شغلت دعوته للتطبيع مع «إسرائيل» النَّاس، بل ولما احتاج، أصلاً، لإطلاقها ك (بالون اختبار) قد يحقِّق غرضاً يعلمه الله، ويعلمه هو. فليس من المعتاد أن يُطلق دعوات مجَّانيَّة مَن يرى نفسه أجدر بقيادة (حزب الأمَّة القومي) من الصَّادق المهدي، فينشق ب (حزب أمَّة) آخر يناور ويحاور ويداور به خصومه المفترضين في النِّظام، حتَّى يصعد إلى قمَّة سنام السُّلطة! لذا، مهما نُسبت هذه الدَّعوة إلى ذرائعيَّة الرَّجل (كأنَّه وحده الذَّرائعي!)، فإن أحداً لن يستطيع أن يقنعنا بأنه ما أطلقها إلا لمجرَّد (طقِّ الحَنَك)، أو حتَّى للمبرِّرات التي لخَّصها في بيع الفلسطينيين لأراضيهم، وتعطيل قضيَّتهم للعالم العربي، ومتاجرة بعض الأنظمة العربيَّة بها، فليس هو مَن تزعجه هذه المسائل، أو يبني مواقفه عليها!
وإذاً، فثمَّة (مآرب) أخرى ولا بُدّ، شكَّلت دوافعه الحقيقيَّة، سواء من تلقاء نفسه، أو بالائتمار مع جناحٍ في السُّلطة، ومهما بدت معرفة ذلك صعبة، اليوم، فسوف تتكشَّف غداً، بالعين المجرَّدة!

دافعنا لهذه الكتابة طرح مسألة أخرى، فحواها أنَّه إذا كان ذلك شأن (مآرب) مبارك وراء دعوته المفاجئة، عام 2017م، للتَّطبيع مع «إسرائيل»، فما كان شأن (مآرب) التُّرابي وراء دعوته المفاجئة عام 1995م، ل (تخلي) المسلمين عن الانتماء إلى محمَّد (صلى الله عليه وسلم)، وتبنِّي الانتماء إلى إبراهيم عليه السَّلام، بكلِّ رمزيَّته ل (القوميَّة) اليهوديَّة الدَّافعة صوب تأسيس دولة «إسرائيل»، رغم أنه أبو الأنبياء جميعاً؟!

لقد سبق أن طرحنا هذا التَّساؤل، في شِقِّه المتعلق بالتُّرابي، في أكتوبر عام 2015م، ونطرحه اليوم، مجدَّداً، كون دعوة مبارك أقامت عليه الدُّنيا ولم تقعدها، بما فيها جماعة التُّرابي، في حين أن دعوة التُّرابي نفسه ألجمت هذه الجَّماعة، وألزمتها الصَّمت، طوال ما يناهز ربع القرن!

أصل الحكاية أنه، وبينما كانت تسعينات القرن المنصرم تنزلق نحو منتصفها، راح القلق يستبدُّ بالجَّماعة، بسبب تفاقم العزلة الخارجيَّة لنظامها الذي أسَّسته على انقلاب يونيو 1989م، سواء عن الغرب، أو عن مصر. وإزاء ذلك كان لا بُدَّ لزعمائها من التَّفكير في مخرج من ذلك المأزق، فبدأ التَّفكير في إيجاد آليَّة تعالج خلل العلائق مع الغرب، ومع مصر. وتحت ضغط تلك الظروف كان منطقيَّاً أن يجري التَّفكير في أنجع تلك الآليَّات: استرضاء رعاة «إسرائيل» الغربيين، والتَّلويح لمصر بإمكانيَّة التَّقارب مع غريمتها الرَّئيسة!
هكذا انطلق التُّرابي، على كلتي الجَّبهتين الفكريَّة والعمليَّة، يسافر، ويحاضر، ويحاور، هنا وهناك، مقترباً من موضوعه الأساسي، أو مبتعداً عنه، بشكل محسوب. وجاءت، في السِّياق، أبرز زياراته، ومقابلاته، وإفاداته، في الفاتيكان، وواشنطن، وأوتاوا، ومدريد، وباريس، وغيرها.
راعت تلك الخطة، من جهة، تقديم الإسلام إلى الذِّهنيَّتين الغربيَّتين، المسيحيَّة واليهوديَّة، بما ينفي عنه معاداة (الآخر الدِّيني)، والتَّركيز على أنه مصدِّق لما أنزل على عيسى وموسى.

وراعت، من جهة أخرى، أن من شأنها، إنْ لم يُمهَّد لها بصورة كافية، أن تفضي إلى الاصطدام، داخليَّاً، بالنَّعرات التي يحتاج إقناعها بتجرُّع مثل هذه الجُّرعة المرَّة إلى معجزة! وإزاء ذلك جرى (الانقلاب الأكبر) على ظهر مغامرة (فقه وفكريَّة) غير مسبوقة!

مستخلص تلك الخطة أنه، طالما كان المسلمون يعترفون بجميع الأنبياء، فلماذا يصرُّون على الانتساب الضَّيِّق لمحمَّد، وليس لإبراهيم؟! ونشر مقالة توجيهيَّة من جزءين، بعنوان (مرتكزات الحوار مع الغرب)، بمجلة (دراسات إفريقيَّة) المُحكِّمة، الصادرة عن (مركز البحوث والتَّرجمة بجامعة إفريقيا العالميَّة). وفي ما يلي نبسط، بتصرُّف غير مخلٍّ، هذا المقتطف المطوَّل ضمن (الجزء الثَّاني) منها، تاركين للقرَّاء تقدير الفكرة الرَّئيسة التي ينطوي عليها:
«الحدث الإبراهيمي هو الأصل المشترك للأديان جميعاً، ويمكن للمسلم ألا ينسب نفسه إلى محمَّد، بل يقول، تلطفاً، إنه لا يريد أن يُسمَّى (محمَّديَّاً)، ليخاطبهم كأنه يريد التَّحدُّث عن هذا التَّقليد الدِّيني الواحد في السِّلسلة النَّبويَّة منذ إبراهيم.. هذا هو منهج القرآن في الحوار بين المسلمين والكتابيِّين.. نحن ندعو إلى أن يتحوَّل الخطاب الإسلامي إلى هذا المشترك الرِّسالي.. وكيف أنه لم يقتصر على المحليَّة الجُّغرافيَّة، ولا على الجُّغرافية الزَّمانيَّة، وإنَّما تحرَّك برسالته في كلِّ الشَّرق الأوسط، من العراق إلى فلسطين، فهناك زرع أبناءه وخلافته التي حملت سنَّته، ومن ثمَّ إلى أطراف مصر، ثمَّ إلى مكَّة حيث ترك هناك تراثه وخلافته أيضاً، وبعد ذلك كان إبراهيم عليه السَّلام أوَّل من بدأ يوسِّع دعوة الدِّين السَّماوي الكتابي، لا لقومه خاصَّة.. ولكنه أوَّل نبي وسَّع امتداد الجُّغرافيا على سياق خطابه العالمي، ففتح آفاقاً عالميَّة لرسالته. إننا بمثل هذا السِّياق العلمي في الطرح نستطيع أن ندخل على الغرب الذي يتأثَّر بالعالميَّة» .
siege auto

ليست هناك تعليقات